Home » نهج مناهضة الاستعمار لهجرة اللاجئات واللاجئين

نهج مناهضة الاستعمار لهجرة اللاجئات واللاجئين

نوف ناصر الدين ونور أبو عصب في حوار– لقد تم نشر هذا الحوار في مجلة: الهجرة والبحث
 
موجز:

في هذا الحوار، تناقش نوف ناصر الدين ونور أبو عصب – مؤسستا ومديرتا مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان – أهمية المنهجية المناهضة للاستعمار في دراسة هجرة اللاجئين، التي تعتمدانها في أعمالهما البحثية والاستشارية وأعمال المناصرة في مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان، الذي يقدم استشارات نسوية متعددة التخصصات ويتخذ من لندن مقرًا له. إذ يركز المركز بشكل خاص على الديناميكيات في البلدان الناطقة باللغة العربية والتي تهدف إلى بناء المجتمعات والحراكات من خلال نهجٍ أكاديمي وقاعدي على حد سواء. وفي السياق ذاته، يسعى مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان إلى سد الفجوة بين النظرية والتطبيق من خلال برامجه التحويلية المبتكرة والتي تشمل التوجيه والبرامج التعليمية والتدريب والبحوث.
نظمت الجلسة الحوارية بين نوف ونور في نوفمبر 2019 من خلال أسئلة مرسلة مقدمًا من قبل إيلينا فيديان قاسمية. وفيما يلي نسخة من الحوار الذي حررتاه إيلينا فيديان قاسمية وميت ل. بريغ.
كلمات رئيسية:
 
البلدان الناطقة باللغة العربية، أبحاث مناهضة الاستعمار، المركزية الأوروبية، النسوية، التقاطعية، الليبرالية المُحدثة (النيوليبرالية)، فلسطين، اللاجئات واللاجئون.
نوف: في هذا الحوار، سنتحدث عن وجهات نظرنا حول هجرة اللاجئات واللاجئين من إطار تقاطعي نسوي مناهض للاستعمار. وسنتفكّر في آلية عملنا إذ نحاول تصور مفهوم هجرة اللاجئات واللاجئين من منظور عالم الجنوب، فغالبية الحجج تتمحور حول أوروبا وتركز على الشمال العالمي.
 
نور: لتسهيل الأمر، سأبدأ بقراءة الأسئلة التي تلقيناها من إيلينا وبعد ذلك سنتناول الأسئلة المطروحة واحدًا تلو الآخر. من المسلم به على نحو متزايد أن دراسات السياسة والاستجابات السياسية والبرامجية للهجرة والنزوح في كثير من الأحيان تحمل في طياتها انحيازًا شماليًا قويًا. فعلى سبيل المثال، على الرغم من أهمية اختلاف أشكال الهجرة داخل بلدان الجنوب العالمي وعبرها وفيما بينها (أي الهجرة من
 
الجنوب إلى الجنوب)، هناك ميل إلى التركيز على الهجرة من الجنوب إلى بلدان الشمال (أي الهجرة من الجنوب إلى الشمال) وإعطاء الأولوية لوجهات نظر وأولويات مختلف أصحاب المصلحة ذوي الصلة بالشمال. وذلك صحيح. والسؤال المطروح كالتالي: ما هو موقفكن من هذه الانتقادات للتحيز الشمالي أو المركزية الأوروبية في دراسات الهجرة والنزوح؟ هلا بدأنا الآن؟
نوف: حسنًا، أعتقد أن هذا الموضوع مهم جدًا ونحن نتفق معك يا إلينا. ركزت معظم الدراسات، ليس فقط في المؤسسات الأكاديمية، ولكن أيضًا تلك التي أجرتها مؤسسات مثل الحكومات أو المجتمعات المدنية على “أزمة اللاجئين” بين البلدان الجنوبية إلى الشمالية ويشكل ذلك مشكلة، إذ أنها تقوض أهمية ومدى تدفقات الهجرة والنزوح من الجنوب إلى الجنوب. وإذا ركزنا بشكل خاص على الهجرة واللاجئين في البلدان الناطقة
 
بالعربية والتي بدأت قبل “أزمة اللاجئين” الحالية بوقت طويل، نلاحظ أن حرب العراق الأولى وحرب العراق الثانية أسفرت عن العديد من الهجرات، حيث فر العديد من اللاجئات واللاجئين العراقيين إلى سوريا والأردن ولبنان ومعظمهم يقيمون في تلك الدول. ومع ذلك، لم يرغب غالبية العراقيين بمغادرة دول “العبور” هذه، ونحن نسميها “عبور” لأنه من المفترض أن يتواجد اللاجئون في تلك الدول لفترة مؤقتة. إلا أن هذا لا يحدث فعلاً، فهم يستقرون بنهاية المطاف في تلك الدول ولا يرغبون بالاستمرار في الرحلة للوصول إلى الدول الغربية.
 
 نور: نعم، وأنا أتحدث بالنيابة عن نوف أيضًا عندما أقول أننا نبتنى موقف هذا النقد للتحيز الشمالي والمركزية الأوروبية، حيث يعد هذا النقد حقيقيا من حيث كيفية تصور اللاجئات واللاجئين والحدود والدولة الوطنية. كما يتجلى هذا التنافر كذلك بين أوساط صانعي السياسات وربما في بعض الأحيان لدى ثلة من الأكاديميين، ويمكن أيضًا تجسيده عبر وسائل الإعلام: الطريقة التي يتم بها تأطير دول عالم الشمال كما لو كانت الملاذ الآمن، كما لو أنها أفضل مكان يحتضن اللاجئات واللاجئين المحرومين. وهذا خطاب يشبه روايات الهجرة الاقتصادية أيضًا، كما لو أن السياق الشمالي هو المثالي، من حيث الحوكمة ومن حيث الموارد، ولهذا السبب يريد الكثير من الناس التوجه نحو أراضي عالم الشمال، على الرغم من عدم صحة ذلك بالضرورة.
 
نوف: في الواقع، أجرينا الكثير من البحوث مع اللاجئات واللاجئين السوريين المقيمين في تركيا ولبنان والأردن، ومعظمهم لا يريد الذهاب إلى الشمال العالمي. وإضافة إلى ذلك، نحتاج إلى عدسة تقاطعية هنا، فجب أن نسأل أنفسنا من هي الفئة التي تذهب إلى هذه الدول: هل هم النساء أم الرجال أم العائلات، وما هي الطرق التي يسلكونها للذهاب إلى الشمال العالمي؟ ولا يمكننا أن نفترض ونعمّم بأن جميع اللاجئات واللاجئين والمهاجرات والمهاجرين يريدون الذهاب إلى الشمال العالمي، فعلينا أن ننظر إلى التجارب المختلفة لهؤلاء الأشخاص، ونتساءل لماذا يختار البعض أن يسلكوا هذا الطريق بينما يمتنع آخرون عن ذلك. علينا أيضًا أن نعترف بوكالة الأشخاص الذين نزحوا – سألنا الكثير من اللاجئين بصراحة: لماذا يريدون الذهاب إلى الغرب؟ هناك أيضًا أمثلة منبثقة عن عملي مع اللاجئات واللاجئين العراقيين في الأردن: فقد تم إرسال البعض إلى أمريكا واختاروا العودة، قائلين: «لا نريد العيش في الولايات المتحدة الأمريكية». لدى وصولهم إلى الولايات المتحدة، ظنوا أنه سيتم توطينهم في منازل جميلة، ولكنهم أجبروا على البقاء في مراكز احتجاز، وعوملوا أثناءها كالسجناء والمجرمين. علينا أن نعي الطريقة التي يعامل بها الناس والخطاب المستخدم، والمتمثل في قولهم: “جاءوا لسرقة مصالح القاطنين في الشمال العالمي، فهم مزيفون ولا يوجد لديهم … “
 
نور: “… سبب مقنع للتواجد هنا…» نعم، تتعلق المشاعر المعادية للهجرة واللاجئات واللاجئين بالموارد بطريقة أو بأخرى. إنه في الواقع ما يحاول صناع السياسات في دول عالم الشمال القيام به: فهم يعطون فكرة بأن وضعهم هو الأفضل ويتناسون حالات التشرد الناجمة عن السياسات الحكومية الممارسة هناك. ويتجاهلون كيف تقوم حكومة المملكة المتحدة نفسها، على سبيل المثال، بوقف التمويل عن الخدمة الصحية الوطنية، فتوقيف التمويل هذا، ليس بسبب المهاجرين، وكأنه لم يعد بإمكان الخدمة الصحية الوطنية التعامل معهم على حين غرة. نعتقد أن هذه الانتقادات صحيحة ومهمة حقًا للأشخاص المقيمين أيضًا في الشمال العالمي من حيث الكيفية التي يريدون بها محاسبة حكوماتهم على ما يتعرضون له.
 
نوف: لا أعتقد أن هناك علاقة ثنائية: “نريد أن نترك الجنوب للذهاب إلى الشمال العالمي من أجل حياة أفضل، وتعليم أفضل.” إن الأمر ليس بهذه البساطة، ولا يجب أن ننظر إلى الشمال العالمي على أنه الملاذ والجنوب العالمي على أنه بؤرة البؤس والشقاء. فغالبًا ما ننسى عدد الأشخاص الذين هاجروا من الشمال العالمي إلى الجنوب العالمي. فعلى سبيل المثال، عندما تأسست الدولة الاستعمارية الاستيطانية التي تحتل فلسطين في عام 1948، زحف الكثير من المهاجرين اليهود واليهود البيض من الشمال العالمي إلى فلسطين – فلا ينبغي لنا أن نغفل هذه التجربة.
 
نور: إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من ذلك، فإن تدفقات الهجرة اليهودية إلى فلسطين تعود إلى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وذلك عندما تأزمت أسباب الهجرة بسبب جميع أشكال التمييز التي واجهها اليهود في أوروبا. تمثلت هذه التدفقات في الهجرة من الشمال العالمي إلى الجنوب العالمي. ويمكن اعتبار أستراليا أيضًا مثالاً على هجرة الشمال إلى الجنوب، وكذلك هجرة المستعمرين البيض إلى جنوب إفريقيا. وتصبح بذلك دراسات الهجرة ذات طابع سياسي للغاية، إذ أنها تخدم أجندات الحكومات المستثمرة في سرقة موارد الدول الأخرى، وهي أيضًا أجندة تُستخدم لتصوير الشمال العالمي على أنه الملاذ الآمن مقارنة بالحالة المعاكسة في الجنوب.
 
نوف: نعارض هذه العلاقة الثنائية تمامًا، ولهذا السبب يعد النهج النسوي التقاطعي المناهض للاستعمار مهمًا للغاية عند النظر إلى مسألة اللاجئات واللاجئين والهجرة، فهو يحثنا على دراسة أسباب هذه الهجرات: لماذا يسلك الناس طرقًا مختلفة، كما يجعلنا نفكر في التعبير. . . أو الاستماع إلى أصوات الشعوب في الجنوب العالمي، من لاجئات ولاجئين ومهاجرات ومهاجرين يسلكون هذه الرحلات. فعندما نتأمل السياسة والممارسة، نستنتج أنه قد يتعذر إحداث تغيير دون الاستماع إلى تجارب الناس على أرض الواقع وإدراك احتياجاتهم الخاصة وأصواتهم. حتى عندما يتعلق الأمر بالهجرة والنزوح، فإننا بحاجة دائمًا إلى وضع سياق لهذه التجارب في السياسة والممارسة. عندما نتبنى مناهج جنوبية مناهضة للاستعمار، نرفض ونحاول مقاومة فرض بعض المصطلحات والممارسات المعينة على الجنوب العالمي.
 
نور: إلا أننا بحاجة أيضًا إلى توخي الحذر، فليست كافة المناهج الجنوبية مناهضة للاستعمار.
 
نوف: بالطبع.
 
نور: نشهد كذلك الكثير من استعمار العقول، إذ أن الغرب يهيمن على عقول الكثيرين باعتباره الوجهة المثالية. لا يمكننا أن نسلم بأن مجرد كون شخص ما يقع ضمن فئة الجنوب العالمي، فهذا يعني أنه قادر على “القيام” بعمل مناهض للاستعمار. يقتضي علينا الامتناع عن إنشاء هذه الهويات وإعادة إرساء الثنائيات داخل هذه الهويات، كما علينا الحيلولة دون الإشارة إلى الرمزية والتمثيل المجرد. لدينا ثلاث أشخاص من البشرة السمراء على هيئة، فيعني هذا أن كل شيء على ما يرام، بالرغم من أن الأجساد السمراء تعكس في الواقع أجندات المستعمرين. وهذه نقطة مهمة أخرى علينا التفكير بها.
 
نوف: بالتأكيد، يجب أن نكون حذرين حقًا من الافتراض بأن جميع الأشخاص من الجنوب العالمي يتشاركون التجارب ذاتها، أو أن هناك أسلوبًا واحدًا للنهج التقاطعي المناهض للاستعمار – باعتقادي، لا أرى أن هناك طريقة واحدة فقط لمعالجة أي مسألة. يمكن أن يتواطأ البعض في الجنوب العالمي مع بعض الأيديولوجيات والمصطلحات وفرض الإيديولوجيات الغربية المهيمنة. أما البعض الآخر فيقاوم هذا الهاجس وبعضهم يتفاوض عليه. لا يوجد شكل واحد للوكالة في الجنوب العالمي، ولا ينبغي أن نفترض بأن الشعوب في الجنوب العالمي لديها نفس الأجندة السياسية.
 
نور: فحتى داخل الجنوب العالمي، كما هو الحال في كل مكان في العالم، لدينا 10 بالمائة من الطبقة الحاكمة التي تتحكم. . .
 
نوف: … وهي متواطئة…
 
نور: … تمامًا، مع الاستعمار. لذلك، يجب أن يكون مفهوم “الجنوب”. . .
 
نوف: … مفككاً من الثنائيات. 
 
وجهات النظر التقاطعية والمناهضة للاستعمار 
 
نور: من الأشياء الرئيسية التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار عند التفكير في دراسات الهجرة والنزوح هي أنها، كمجال بحثي، بحاجة إلى  مناهضة الاستعمار. ونقصد بمناهضة الاستعمار في ذلك المجال على وجه التحديد ضرورة صرف الانتباه إلى أمور أخرى، بدلاً من وصف حياة الأشخاص فقط.
 
نوف: نعم، إننا بحاجة إلى دراسة تجارب اللاجئات واللاجئين المختلفين من منظور نسوي تقاطعي ومنظور مناهض للاستعمار – وهذا يعني أننا يجب أن نتوقف عن التفكير في التجارب الفردية والشخصية للناس، وأن ننظر إلى نظام أو أنظمة القمع التي تجعل نضالاتنا موحدة أكثر.
 
نور: علينا أن نبدأ في إنتاج المعرفة التي تشير في الواقع إلى أنظمة القمع المتقاطعة والمتشابكة هذه، والأنظمة التي تخلق هذه التجارب المتنوعة أساساً. نحتاج أيضًا إلى مناقشة الأسباب التي يتم من خلالها اعتبار بعض الوجهات أكثر أمانًا من غيرها، وكيف تسهم دول الشمال العالمي والحكومات في التسبب بالهجرة القسرية والنزوح.
 
نوف: تكمن مشكلة التقاطعية في الوقت الحاضر وطريقة استخدامها في تناولها للتجارب، وكأنها تجارب منفردة- إذ يتم وضع اللاجئة التي تأتي من مكان محدد في صندوق واحد، والشخص المثلي في صندوق آخر – بدلاً من النظر في أننا نتشارك كأشخاص في ذات النضالات وتؤثر نفس هياكل القمع علينا، بغض النظر عن نوعنا الاجتماعي أو جنسانياتنا أو ألواننا أو أعراقنا. تؤثر هياكل القمع علينا بطرق مختلفة، إلا أننا نحاول مقاومتها، وهذه هي الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع التقاطعية. هذه مشكلة تشهدها الأوساط الأكاديمية في يومنا هذا. .
 
نور: يقول البعض “هذا بحث تقاطعي”، ولكن عندما نأخذ بضعة دقائق ونقرأ البحث، نجد أنه ليس بحثًا تقاطعيًا فحسب في الطريقة التي يصنف بها الناس في هويات محددة، إذ أنه لا يتجاوز الهويات بهذا الشكل. نعلم بأن الجميع قد تعرّض لتجارب مختلفة، فلسنا بحاجة إلى تلك الأوصاف حول حياة الناس.
 
نوف: نعم، فذلك يجعل من تجاربنا الحياتية وكأنها استثنائية منفردة بدلاً من التركيز على…
 
نور: …التعاون لمكافحة النظام.
 
نوف: تمامًا. وكنساء، كنساء من ذوات البشرة الملونة والجنسانيات المختلفة، أو أشخاص بممارسات لا معيارية، فعليا ينتهي بنا المطاف إلى محاربة بعضنا البعض بدلاً من محاربة الهياكل التي تسببت في تفريقنا.
 
نور: تمامًا.
 
نوف: يمكن أن توظف التقاطعية للعمل بمبدأ «فرّق تسد»، أي التفرقة بيننا كأشخاص نتشارك التجارب ذاتها. وكما قالت نور، إنها تصنف تجاربنا. ولذلك، فإننا بحاجة إلى…
 
نور: … التفصيل بطريقة أفضل. ونحتاج أيضًا إلى إعداد خطاب مختلف ذو صلة، خطاب لا يتماشى مع نظرة شخص دخيل يتأمل من بعيد حياة الناس، خطاب لا يرضي الأجندات الحكومية. علينا أن نفكر بالعمل ضد النظام نفسه.
 
نوف: نعم. وفي الواقع، تخدم الطريقة التي يستخدم بها مفهوم التقاطعية الآن نموذج الشمال العالمي المتمركز أوروبيًا ، وذلك عندما نتحدث عن أزمة اللاجئين لأن. . .
 
نور:… وبالتأكيد ليس هذا ما قصدته كيمبرلي كرينشو (1989) عندما توصلت إلى مصطلح التقاطعية، فقد تم استغلاله…
 
نوف: لقد تم استغلال هذا المصطلح من خلال الخطابات الغربية المهيمنة فيما يخص مواضيع اللجوء والنساء والجنسانية والنوع الاجتماعي. فحتى لو نظرنا إلى مصطلح “كوير” أو اللامعيارية وتأملنا هذه النظرية على المستوى النظري، سنجد أنها مناهضة للحدود، أما الطريقة التي يتم استخدامها بها الآن لا تمت باللامعيارية بصلة.
 
نور: فاللامعيارية تعني أن نكون خارج حدود جميع الهويات المعيارية. 
 
نوف: وبعيدًا عن القواعد والشروط التي فرضتها علينا الحكومات ونظام الدولة والقوانين والنظام الأبوي والرأسمالية، فقد أصبح هذا المصطلح يستخدم الآن لوصف مجتمع الميم والميول الجنسية. 
 
نور: إن السؤال التالي هو “كيف تتعاملان مع مصطلحات مثل الشمال العالمي والجنوب العالمي والغرب في عملكما؟” هذا سؤال مثيرٌ للاهتمام وكثيرًا ما نحقق في استخدامنا لهذه المصطلحات، فهي لا تعكس بالضرورة العالم الذي نعيش فيه. ولم تعد هذه الثنائيات، التي يمكن اعتبارها ثنائيات مكانية وهي المساحات التي يشغلها البشر، لا تمت إلى الواقع بصلة لأن غالبية المجتمعات مختلطة بالفعل… في الواقع، لطالما كان هنالك هويات هجينة إلا أن افتراض العكس ما هو إلا إخفاق الدول القومية، على سبيل المثال، كان مسوغًا يدفعنا للتفكير…
 
نوف: …بتلك المصطلحات والمفاهيم. فينبغي أن نكون حريصين جدًا عند استخدام لغة وعبارات معينة مثل الشمال العالمي والجنوب العالمي… فقد اعتدنا على استخدام “الغرب” و”الشرق” والآن نستخدم عبارتي “الشمال العالمي” و “الجنوب العالمي”، ولكن يجب أن نكون حذرين لأننا لا نريد تكرار وتعزيز الثنائيات. فإذا استخدمنا الآن مصطلح الغرب، سيدل ذلك على تصورنا لكيان واحد وهو الغرب. . . إلا أن الغرب ليس كيانًا واحدًا – فهناك أشخاص محرومون داخل الغرب، لذا فالغرب ليس كيانًا واحدًا، والشرق ليس كيانًا واحدًا. أنا قلقة بأن استخدامنا للشمال العالمي والجنوب العالمي بشكل مفرط سيؤدي إلى استخدامهما كصيغة مبتذلة، لأننا سنستخدم هذه المصطلحات على أنها ثنائية أيضًا، كما لو كان هناك شمال عالمي واحد فقط وهناك جنوب عالمي واحد فقط — إذًا، ماذا عن الشرق العالمي؟ وماذا عن الغرب العالمي؟ علينا الحذر حيال هذه المصطلحات وأن نسأل من أي تأتي هذه المصطلحات. علينا أن نغيرها باستمرار أثناء عملنا، وعلينا أن نكون حساسين حيال استخدامها مرارًا وتكرارًا.
ضد الثنائيات
 
نور: نعم، نعلينا أن نمتنع عن إعادة إنشاء الثنائيات الجغرافية-المكانية. وبالطبع، تطور عملنا بمرور الوقت وتغيرت المصطلحات التي اعتدنا استخدامها أيضًا. غالبًا ما نستخدم الشمال العالمي والجنوب العالمي، إلا أننا نستخدمها في الوقت نفسه كمصطلحات أيديولوجية أكثر من مصطلحات جغرافية.
 
نوف: تمامًا. ومع ذلك، يساورني القلق بشأن هذه المصطلحات، ففي الواقع، قد يتعذر فصل الجغرافيا عن السياسة، وعلينا دائمًا التفكير في هذه المصطلحات من منظور جغرافي سياسي.
 
نور: بالتأكيد. فغالبًا ما يرتبط الحرمان والقمع وما إلى ذلك بالجنوب العالمي، ونادرًا ما يشير البعض في الخطابات الشعبية والمهيمنة…
 
نوف: …إلى الفقر في الغرب على سبيل المثال.
 
نور: الفقر في الغرب. تعتقد الشعوب في الدول الناطقة باللغة العربية — وهنا تكمن مساوئ أجندة الاستعمار — بأن الغرب يخلو من مظاهر الفقر، وهذا بحد ذاته مشكلة. ويوضح لنا هذا بأن هذه الأجندة متعمدة، على مستويات متعددة، بحيث نعتقد أننا نحتاج في الجنوب العالمي أو في مجتمعاتنا إلى التقدم بطريقة معينة، بطريقة غربية ليبرالية – وهذا يترك انطباعًا لدى سكان الغرب بأنهم متفوقون وأن بلادهم هي الوجهة التي يتمنى الجميع الوصول إليها.
 
نوف: وأنهم هم منقذوا البشرية كذلك. لذا، علينا أن نفكر في طبقات عدم المساواة السائدة في الشمال العالمي إذا نظرنا إلى الاختلافات الطبقية والعرقية واختلافات النوع الاجتماعي. علينا أن ننظر إلى هذه الهياكل من منظور مصنف على أساس الطبقة والنوع الاجتماعي والجنس والعرق، وحتى داخل الشمال العالمي.
 
نور: بالتأكيد.
 
نوف: وإضافة إلى ذلك، فإن الفكرة التي مفادها بأن الجنوب العالمي يمثل البؤس – تعكس منظورًا استعماريًا للغاية، ولهذا السبب نحتاج إلى عدسة مناهضة للاستعمار لتفكيك ما تم تعلمه عبر التاريخ.
 
نور: ويشكل هذا كفاحا في بعض الأحيان. فالعمل مع أشخاص وحراكات في البلدان الناطقة بالعربية هو بحد ذاته صراع. فليس من السهل أن تجعل الناس يدركون بأن هناك فقرًا في المملكة المتحدة، على سبيل المثال. ومن الصعب كذلك الاعتراف بأن السياسة التقليدية في المملكة المتحدة هي في الواقع مجرد عرض دمى.
 
نوف: هذه نقطة جيدة جدًا يا نور، وأيضًا من الصعب علينا أن نفكك فكرة أنه ليس بالضرورة أن تتماثل معاييرنا مع معايير الغرب أو الشمال العالمي. أفكر في الاستعمار والعمليات الاستعمارية، وما زلت أستخدم مصطلح “الاستعمار”، وليس “الاستعمار المُحدَّث”، لأنه في بعض البلدان، وفي البلدان الناطقة بالعربية، ما زلنا مستعمرين ماديًا. علينا أن نفكر في طريقة لتفكيك جميع هذه العمليات دون الاعتقاد بأن الرجل الأبيض متفوق على غيره وأنه هو المنقذ.
 
 نور: أو التفكير بأننا نريد أن تكون بلادنا على نفس مستوى الغرب أو تعمل بنفس الطريقة مثلاً.
 
نوف: نسخ أنظمة الدولة ونسخ القوانين و…
 
نور: نعم، تمامًا. وفلسطين تبدو وكأنها حلم بعيد المنال، لكني في نفس الوقت لا أريد ازدهار فلسطين إذا كان ذلك بسبب تجارة السلاح. لا أريد أن تنتعش فلسطين وتنمو على حساب ممارستنا للقمع واستغلال موارد الآخرين.
 
نوف: نعم، أو أن يكون لديها نفس المشاعر القومية.
 
نور: تمامًا.
 
نوف: حسنًا. السؤال التالي هو: “لقد كتبتم إلى أهمية استخدام نهج مناهضة الاستعمار في البحوث – لماذا يعد هذا النهج مهما للباحثين وصانعي السياسات والممارسين الذين يعملون في مجال الهجرة والنزوح؟” إنه نهجٌ مهم جدًا لأنه يجعلنا نفكك ما تعلمناه وما درسناه عبر التاريخ، فهو نهجٌ متعدد الأجيال. كما يحمل في طياته أهمية بالغة ترتبط بجانب التأريخ. ونقصد بالتأريخ العودة إلى التاريخ لاستعادة الأحداث التي جرت في تلك الأماكن لفهم وقعها على الحاضر.
 
نور: فلماذا يعد هذا النهج مهم لصانعي السياسات والباحثين والممارسين؟ أعتقد أن الإجابة تكمن في حقيقة أنه حتى تيريزا ماي [رئيسة وزراء المملكة المتحدة، 2016-2019] أقرت بتأثير الاستعمار على القوانين المتعلقة بالجنسانية في الدول التي كانت مستعمرة سابقًا (بي بي سي، 2018)، وأكدت على أهمية إلغاء تجريم المثلية الجنسية، على سبيل المثال، لإبطال الضرر الواقع بسببه. أنا لا أقول هذا تأييدًا لما أفادته تيريزا ماي، ولكن لأننا بحاجة إلى وضع حد لاستغلال مثل هذه المصطلحات. رحب بعض الناشطين بخطوة تيريزا ماي كدعوة لمناهضة الاستعمار، ومع ذلك، فقد كانت هذه الخطوة مجردة ولا علاقة لها بأي عملية فعلية تسعى نحو عدالة إصلاحية، وذلك على سبيل المثال في الأماكن التي كانت مستعمرة – كما غاب عنها عنصر تحسين الظروف المعيشية المادية لهؤلاء الناس. كلا، فنهجها يتمثل فيما يلي: “نحتاج إلى حذف هذا الجزء من القانون الذي فرضناه على هذه الدول، وكذا وكذا وكذا” بينما لم تقم بأي إجراء فعلي لتغيير الحقائق الملموسة للشعوب.
 
نوف: أعتقد أيضًا أن مناهضة الاستعمار وإنهاؤه كمشروع مهم للأشخاص المستعمرين، فعندما تعاني هذه الدول من سنوات من الاستعمار، كما ذكرنا سابقًا، تبدأ الشعوب في التفكير بأن معيارنا هو الالتزام بالخطابات الغربية المُهيمنة أو اتباع الغرب. ومع ذلك، أعتقد أننا بحاجة إلى إنهاء جذور الاستعمار من عقولنا وأجسادنا وأرواحنا لكي تتجسد وكالتنا ولندرك أننا وكلاء تغيير لشعبنا ووطننا وكفاحاتنا. ونحن لسنا بحاجة لمساعدة من أي أحد لإنجاز هذه العملية. فعلى سبيل المثال، أتحدث مع الكثير من الأشخاص في فلسطين والعديد من الأصدقاء الذين يشعرون بالعجز الشديد ويتساءلون باستمرار كيف يمكنهم تغيير الواقع. وهنا يأتي دور مشاريع مناهضة الاستعمار التي يمكنها أن تعيننا على التعافي من تلك العملية، إذا جاز لي القول، أو تعيد لنا الايمان بأن بإمكاننا تغيير واقعنا.
 
نور: بالتأكيد. عندما نفكر في بحوث مناهضة الاستعمار – حيث من الممكن أيضًا مناهضة الاستعمار بشكل عملي وليس فقط من خلال البحث – فإننا بحاجة فعلا إلى البدء في إنتاج المعرفة التي تدرس أسباب القمع وتعالج المشكلات الجذرية.
 
نوف: يرتبط هذا مع إدراك معنى التضامن بدلاً من فهمه على أنه ادعاء إنني أريد مساعدتك وإنقاذك. وما أشرت إليه يا نور بشأن الإنتاج المعرفي، هو نقطة جيدة جدًا. فعند النظر إلى جميع أنواع المعرفة التي نعتمد عليها، مثل نظريات النوع الاجتماعي أو نظريات الطبقة الاجتماعية، نجد بأننا بحاجة إلى التفكير في كيفية إنتاج المعرفة ذات الصلة بصراعاتنا وطرقنا للقيام بالأشياء بلغتنا. وإلى جانب ذلك، تعد مناهضة الاستعمار استعادة للغتنا ومعرفتنا وخبراتنا. علينا أن ندرس هياكل القمع بدلاً من أعراضه. من الملاحظ أنه عندما يتحدث أحد عن مناهضة الاستعمار الآن، يشار إليه كصيغة مبتذلة، إذ تؤخذ الأعراض بعين الاعتبار بمنأى عن جذور الاستعمار – “نعم، لنغير القوانين” – لكن لن نغير هياكل القمع التي تسن هذه القوانين في المرتبة الأولى.
 
نور: ومن هنا تنبثق الحاجة إلى  نهج مناهض للاستعمار، ولكننا نحتاج أيضًا إلى نهج تقاطعي مناهض للاستعمار يدرس تقاطعية القمع الهيكلي المتشابك.
 
نوف: بالتأكيد. عندما نفكر في مناهضة الاستعمار، يجب أن يكون تفكيرنا مصحوبًا بعملية مناهضة القوانين: علينا التوقف عن النظر إلى القانون الغربي المهيمن أو الشمال العالمي… هل أردت أن تقولي شيء يا نور؟
 
نور: نعم! وهنا يأتي دور وعينا النسوي. يتعين النظر إلى تجارب الآخرين، والعمل على إعلاء صوت المتلقين للاستعمار والمتأثرين به أو المستعمرين. فبدلاً من وصف حياتهم وتجاربهم، علينا التعمّق أكثر في وصفهم لأنفسهم وتجاربهم وحياتهم استنادًا إلى ما تعرضوا له من تجارب مادية. وبهذه الطريقة ننظر أيضًا إلى مناهج مناهضة الاستعمار. لست من المؤيدين لاستخدام مصطلح “منح الصوت”، لكن عملنا النسوي يتعلق كذلك بإعلاء صوت هؤلاء الأشخاص والتعبير عن تجاربهم، وهذا نهج مناهض للاستعمار.
 
نوف: نعم، وذلك من خلال إنتاج هؤلاء الأشخاص للمعرفة من خلال تجاربهم ووصفهم أو حديثهم عن واقعهم الخاص باستخدام مفاهيمهم ومصطلحاتهم الخاصة. إن الأمر لا يتعلق فحسب بتجاربهم الخاصة، بل هو معني بالاعتراف بأصواتهم كمصدر معتمد للمعرفة، معرفة السكان الأصليين.
نور: نحن بحاجة إلى فهم أنظمة القمع كما يفهمها الناس، وهذا أمر في غاية الأهمية. فغالبية اللاجئات واللاجئين يدركون ويعترفون بالأسباب المؤدية لمحنتهم، ومن المهم طرح هذه الأسباب على صانعي السياسات حتى يتمكنوا من رؤيتها مرارًا وتكرارًا. فلا ضرر من الإشارة لصانعي السياسات: أنتم تعملون الأشياء الخطأ… لذا، دعونا نعود إلى أهمية مناهج مناهضة الاستعمار لدى صانعي السياسات والباحثين والممارسين الذين يعملون في حقول الهجرة والنزوح. أشرنا في مطلع حديثنا أن لمناهج مناهضة الاستعمار أهمية بالغة، ولكن في نفس الوقت أعتقد أن معظم الأشخاص يعانون في كثير من الأحيان من كيفية تفعيل الآلية. فهي تبدو كنظرية بالنسبة للكثيرين، ولكن ممارستها من الناحية العملية…
 
نور: … التحدي.
 
نور:… ذلك هو التحدي. من أهم الجوانب التي نتطرق إليها في عملنا أنه لا يمكن مناهضة الاستعمار بدون عمليات التأمل الذاتي والنقد الذاتي، وكذلك…
 
نوف: …تحمل المسؤولية. وأنا في الواقع أتفق مع جانب التأمل الذاتي، فهو مهم جدًا نظرًا لما يجسده من مسؤولية ووكالة لدينا بصفتنا أشخاص كنّا وما زلنا مستعمرين. فمناهضة الاستعمار تجعلنا نفكر في أنفسنا على أننا جزء من تلك العملية، وأننا بحاجة إلى تحرير أنفسنا وتحمل مسؤولية أفعالنا. عندما نحرر أنفسنا، وكما قالت أنجيلا ديفيس، “يجب أن نتحدث عن تحرير العقول بالإضافة إلى تحرير المجتمع” – هذا هو الجزء من مناهضة الاستعمار الذي يساعدنا على الحد من دورنا في ترسيخ الثنائيات. إذ يخلصنا ذلك من نموذج المنقذ والضحية.
 
نور: بالتأكيد.
 
نوف: وهذا يدفعنا أيضًا إلى عدم الالتزام بالمنظمات غير الحكومية والممارسين والمؤسسات الأكاديمية التي تفرض خطابًا غربيًا مهيمنًا يتسم بالرجولية في الواقع، حيث ينظرون إلينا ويرون النساء أو ذوي الهويات الجنسية اللامعيارية في الجنوب العالمي وكأنهم جميعاً بحاجة إلى الإنقاذ – وذلك يؤدي إلى إنشاء تلك العلاقة الثنائية وأسلوب الضحية المتبع.
 
نور: بالتأكيد، فالعلاقة الثنائية بين الضحية والمنقذ تجعل عملية تنفيذ البرامج أو المشاريع الخاصة باللاجئات واللاجئين تجارية ورأسمالية للغاية، سواء أعجبنا ذلك أم لا. كما تعكس آليات التعامل مع اللاجئات واللاجئين والهجرة والنزوح بعض الإشكاليات من أبرزها أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الكثير من الجوانب، فهي بالأحرى تقوم فقط برسم إطار حول الضحية والمنقذ. فسيسارع العديد من الأشخاص العاملين في المنظمات غير الحكومية للتأكيد بأنهم “ينقذون” أو “يساعدون” تلك الفئات، ولن يعترفوا بعمليات التعلّم التي يمرون بها بأنفسهم. لإنشاء نهج مناهض للاستعمار فعليًا داخل السياسة أو داخل قطاع المنظمات غير الحكومية أو الأوساط الأكاديمية، نحتاج إلى التفكير في موقعياتنا، فعلينا التوجه فعليًا لوضع أنفسنا في البحث بدلاً من مجرد القول إننا نقوم بهذا البحث “من أجل” هذه المجموعة من الأشخاص أو تلك المجموعة. فشخصياتنا وقصصنا الشخصية كباحثين وكأشخاص يقومون بأعمال غير حكومية أو خيرية هي الأسباب التي تدفعنا في المرتبة الأولى للقيام بالعمل الذي نقوم به. ومن المهم حقًا الاعتراف بذلك كعملية للتعلم، وليس كعملية إنقاذ.
 
نوف: وتفكيك التعلّم كذلك.
 
نور: وتفكيك التعلّم بالطبع.
 
نوف: وهناك سبب آخر وراء أهمية مناهضة الاستعمار وهو أنه يسمح لنا بالتعريف عن أنفسنا وإيجاد المصطلحات التي تشعرنا بالراحة. ويمكنني أن أقدم مثالاً عن عملنا مع مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان. عملنا على مشروع بحثي يتعلق بالجنسانية اللا معيارية والنوع الاجتماعي، مجتمع الميم، وكان هذا البحث في البلدان الناطقة بالعربية حيث سُئل الناس عن تعريفهم لأنفسهم. وبالطبع، تم تمويل هذا البحث من خلال منظمة في الشمال العالمي. وتمثلت إحدى النتائج الرئيسية المتمخضة عن أبحاثنا أن الأشخاص لم يكن بإمكانهم تصنيف أنفسهم بالأحرف الممثلة لمجتمع الميم، على الرغم من أن ممارساتهم الجنسية غير معيارية، وكنا نبني أبحاثنا ونظرياتنا وتصورنا للنوع الاجتماعي والجنسانية بناءً على تلك النتيجة.
 
نور: حتى أننا أعدنا صياغة مشروعنا ليتناسب مع تلك النتيجة.
 
نوف: تمامًا. وفي الواقع، لم يعجب ذلك ممول الشمال العالمي فحسب وإنما أيضًا شركاء البحث في البلدان الناطقة بالعربية المتواطئين مع الخطابات الذكورية المهيمنة، الخطابات الغربية. وفي النهاية لم تعجبهم تلك النتيجة أو تلك البيانات وأخرجوها من التقرير، إذ أنها لم تتطابق مع سياساتهم وأجنداتهم، بسبب عدم ارتباط الأشخاص معها. تفسح مناهضة الاستعمار المجال للجميع بالتعريف عن أنفسهم وإيجاد مصطلحاتهم ومفاهيمهم الخاصة.
 
نور: بالتأكيد. في مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان أو مع عملنا بشكل عام، نعتقد أنه من أجل مناهضة الاستعمار في أي مشروع تشرع فيه – لأنه من الصعب حقًا مناهضة الاستعمار في المشاريع القائمة، وهو أمر علينا أنه نعيه – فعلينا التفكير في خمسة نقاط رئيسية:
(1) نحتاج إلى دراسة إضفاء الطابع التاريخي على المسألة: وطرح سؤال حول تاريخ تلك الظواهر التي ندرسها وتاريخ ذلك القمع الذي نزمع معالجته ومعرفة مصدره وكيف ظهر في السياق المستهدف؟
(2) الجزء التالي هو إضفاء الطابع السياسي على الموضوع، والتفكير في جميع الأجندات السياسية ذات الصلة فيه. فعندما نفكر في اللاجئات واللاجئين، هناك أيضًا أصحاب المصلحة السياسيون، بالمعنى التقليدي، الذين يشاركون في عملية إيجاد أسباب الهجرة واللجوء، وما إلى ذلك.
 
نوف: وتشكيل الخطابات المعنية باللاجئات واللاجئين والهجرة.
 
نور: بالتأكيد.
 
نوف: لذا، قد يتعذر علينا التحدث عن النوع الاجتماعي والجنسانية دون انتقادهما.
نوف: (3) تدور النقطة الثالثة حول تحديد السياق: لدينا هياكل قمع متشابكة ومتقاطعة نسعى لمكافحتها وتوحيد نضالاتنا، ولكن في نفس الوقت، لهيكليات القمع تلك تجليات تختلف بحسب السياق. فلا يمكننا على سبيل المثال استغلال قضايا الآخرين. وهذا يقودني إلى مثال فلسطين حيث يستخدم الفلسطينيون في بعض المظاهرات شعار “حياة الفلسطينيون مهمة” مستخدمين العبارة ذاتها التي استخدمت من قبل في سياق “حياة السود مهمة”، لكن هذا استغلال لقضايا أخرى. وهذا لا يعني أننا لا نستطيع الذهاب معًا في نفس المظاهرات وأنه ليس بمقدورنا الاحتجاج على والتظاهر ضد نفس هياكل القمع، ولكن لا يمكننا أن نلجأ إلى قضايا أخرى ونختطفها. في الوقت ذاته، فإننا نستشيط غضبًا عند قول أحدهم بأن الوضع في فلسطين هو عبارة عن دولة فصل عنصري وكأنه مشابه لوضع جنوب إفريقيا. كلا، قد يكون الفصل العنصري تجلياً متشابهاً ولكن لا يمكننا أن نقول إن الوضع في فلسطين مماثل لجنوب إفريقيا، أو أن الحياة الفلسطينية مشابهة لحياة السود في الولايات المتحدة – إذ يشبه ذلك الاستيلاء على قضايا الآخرين واستغلالها.
 
نور: نعم، وأعتقد أن هذا يحدث أيضًا عندما يسلط الأشخاص الضوء على وصف الحياة أو وصف الأشياء، بدلاً من التحدث عن الأسباب المسببة لها.
 
نوف: الأسباب، تمامًا. ولمزيدٍ من التوضيح، لا نقول بأننا لا نستطيع التظاهر ضد هياكل القمع ذاتها، وإنما نؤكد على أهمية عدم استغلال قضايا الآخرين، كأشخاص من الجنوب العالمي. فعندما نستولي ونستغل قضايا الآخرين، فإننا بذلك نعزز طريقة متجانسة للنظر إلى الجنوب العالمي. فعلينا توخي الحذر والحرص على عدم وضع الجنوب العالمي وصراعات الجنوب العالمي في صندوق واحد.
 
نور: (4) العنصر الرابع المهم هو العولمة: التفكير في الهياكل العالمية التي تتسبب في وجود الظاهرة أو القضية التي نحاول معالجتها أو التطرق لها. أعتقد أن العولمة قد تكون وثيقة الصلة بتبني سياسات الرعاية والوعي، فيمكننا فهم المزيد عند إضفاء الطابع العالمي. على سبيل المثال، عندما نشتري الكاجو من المتجر، نفهم مصدر الكاجو.
 
نوف: يدفعنا ذلك إلى التفكير في استهلاكنا وخياراتنا.
 
نور: نعم، وإدراك موقعنا في السياق العالمي أمر مهم. إن النظام الذي يحكمننا جميعًا في كافة أنحاء العالم – واسمحوا لي بالاعتراف بأنه النظام نفسه – يفصلنا عن ممارساتنا وسلوكياتنا. نتوقف عن التساؤل، على سبيل المثال،  كيف يمكنني أنا أن أؤثر من خلال تناول الكينوا في المملكة المتحدة بشكل ما على الأشخاص الذين ينتجونه في مكانٍ آخر؟ ماذا عن قطاع إنتاج الأرز في جنوب آسيا، ماذا عن…
 
نوف: …إنتاج الأفوكادو…
 
نور: …إنتاج الأفوكادو. إن التطرق لهذا النهج يبدو كلُغز علينا ترتيب قطعه- لا شك أن هذا النوع من الأبحاث جيد قد يتولد عنه سياسات جيدة…
 
نوف: لطالما يطرح علينا سؤال في المحادثات التي نجريها، ولأكون صادقة على وجه التحديد من أشخاص من العرق الأبيض: كيف يمكننا المساعدة؟ وبدوري أجيب على هذا السؤال: لا يمكنكم طرح مثل هذا السؤال، فأنتم جزء من الهيكل.
 
نور: تمامًا.
 
نوف: لا تنفصل عن الهيكل الذي يمنحك امتيازًا أو في بعض الأحيان قد لا يمنحك امتيازًا. بدلاً من ذلك، فكر في كونك جزءًا من هذا الهيكل، ففهم الموقعية محوري.
 
نور: نعم. الفهم بأن العرق هو القضية، ليس فقط بالنسبة للسود: يشكل العرق مشكلة للأشخاص البيض أيضًا. فالجنسانية لا تشكل مشكلة فحسب لذوي الهويات الجنسية اللامعيارية: فهي مشكلة بالنسبة للأشخاص المغايرين جنسيًا كذلك، على سبيل المثال، الذين يُتوقع منهم الزواج، الذي يعتبر قمعياً في حد ذاته. هكذا نفكر في أدوات مناهضة الاستعمار التي تقبع ضمن هذه الحيز المكاني.
 
(5) وأخيرًا، تعد اللغة وتاريخها أداة مهمة، خاصةً عندما يجري البحث في سياق لسنا ملمين بلغته. نوف، هل ترغبين بتقديم مثال على ذلك؟
 
نوف: نعم، عندما نفكر باللغة نفكر بالسياق، نفكر في التاريخ والسياسة أو إضفاء الصفة السياسية. فعلى سبيل المثال، نواجه في عملنا معضلة مصطلح “النوع الاجتماعي” فقد يتعذر على البعض تقبل مصطلح “النوع الاجتماعي”. إذا تأملنا في «النوع الاجتماعي»، متى ظهر هذا المصطلح فعليًا؟ سأتحدث فقط عن البلدان الناطقة بالعربية هنا – متى ظهر هذا المصطلح؟ ظهر بين أروقة المنظمات غير الحكومية في التسعينيات من القرن الماضي.
 
 نور: نعم، بدأت ماهية هذا المصطلح تتشكل في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
 
نوف: بدأت وكالة الأمم المتحدة التي كانت في السابق تعرف بصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفم) وأصبحت الآن هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمنظمات غير الحكومية الدولية وأصحاب المصلحة الآخرين في استخدام مصطلح “النوع الاجتماعي” وأكدت هذه المنظمات على رغبتها في إدماج النوع الاجتماعي. ومع ذلك، فقد تعذر على البعض تقبل مع هذا المصطلح، فلم يؤثر عليهم.
 
نور: كما يؤدي إلى فجوات في المعرفة.
 
نوف: بالطبع. كما برزت مشكلة إضافية وهي أن النوع الاجتماعي غالبًا ما كان مرتبطًا بالنساء فقط، وهذا معتقد خاطئ… الآن علينا إضافة الرجال إلى هذه المعادلة. الأمر مشابه للطريقة التي ارتبط بها العرق أيضًا بالأشخاص الملونين والسود فقط وكذلك بالنسبة للنوع الاجتماعي الذي ارتبط بالنساء؛ وقد ارتبطت الجنسانية أيضًا بذوي الهويات الجنسية اللانمطية واللامعيارية (مجتمع الميم). يؤدي هذا إلى فجوات في المعرفة، ومرة أخرى يؤدي إلى الانفصال بين الأشخاص ويؤدي إلى تصنيف تجاربهم وتفتيت نضالاتهم.
 
نظريات مناهضة المعايير السائدة (كوير) ومناهج مناهضة الاستعمار
 
نوف: هلا انتقلنا إلى السؤال التالي؟ السؤال هو: “يلتزم عملك أيضًا بالتقاطعية، والنسوية، ونظريات «كوير» – كيف ترين العلاقة بين التقاطعية والنسوية ونظريات «كوير» من جهة، والمناهج المناهضة للاستعمار للبحث في هذا المجال من جهة أخرى؟ لماذا يعد ذلك مهمًا لفهم الهجرة والنزوح والاستجابة لهما؟” هذا سؤال جيد فعلاً.
 
نور: لا أرى أي انفصال، وكما ناقشنا سابقًا: لا يمكننا حقًا فصل الحركة النسوية المتقاطعة عن مناهضة الاستعمار.
 
نوف: بالنسبة لنا، النسوية هي حراك لا ينحصر فقط على النساء، بل يتعلق بدراسة التجارب المختلفة للمجموعات المهمشة، لذلك ننظر إلى مفهوم الطبقية والسلطة الأبوية والهياكل المختلفة. وعندما نفكر في النسوية كعدسة، فإننا ننظر إلى هياكل القمع التي تهمش الأشخاص.
 
نور: بالتأكيد. وما أود إضافته هو أن كلمة “كوير” ظهرت على أنها مناهضة للهوية. ولكن تتجه دراسات «كوير» في الوقت الحالي إلى استخدامها كهوية تعريفية للأشخاص الذين يمارسون ممارسات جنسية وأداءات جندرية لا معيارية. ويأتي ذلك بدلاً من طرح رؤية سياسية لمفهوم “كوير” أو رفض الصناديق والمعايير التي تفرضها الأنظمة المختلفة التي نعيش فيها – داخل الأسرة أو خارجها أو داخل نظام الدولة بالإضافة إلى داخل الدولة ذاتها. نكتب نحن عن نظرية مناهضة المعايير السائدة إلا أننا نفصل أنفسنا عن نظرية “كوير” البيضاء، إذا سمحتم لي بتسميتها بذلك.
 
نوف: تمامًا. لذا، نحن لا نضع إطارنا النظري معتمدين على عدسة نظرية «كوير»…
 
نور: نعم.
 
نوف: نفضل عوضا عن ذلك استخدام عدسة نسوية تقاطعية مناهضة للاستعمار لأنها تتعدى الصناديق والهويات وتأخذ بعين الاعتبار هياكل القمع المختلفة. وكما قالت نور، من المؤسف أن يتم دفع نظرية «كوير» نحو التركيز على الهوية، وهو استنساخ لهياكل القمع في الواقع.
 
نور: هنا تكمن إشكالية نظرية أو نظريات «كوير» في الوقت الراهن… فهناك تنافر كبير بين اسم النظرية – «كوير» كمناهض للهوية – ومسارها وتوجهها حاليًا.
 
نوف: … ولذا فإننا نمتنع عن استخدام نظريات كوير، فالإطار النسوي التقاطعي والمناهض للاستعمار يجعلنا نفكر على نحو شمولي وليس حصري.
 
نور: برزت التقاطعية، على سبيل المثال، في الشمال العالمي كجزء من الموجة النسوية الثالثة، ونعتقد بأن نظرية «كوير» جاءت في البداية فقط لإحداث فروقات بسيطة، نقول من خلالها أننا جميعاً لا معياريين. ومع الأسف، هذا ليس المسار الذي تسير فيه نظرية «كوير»، إذ أصبحت حصرية، لذلك نشعر براحة أكبر عند إعادة استخدام التقاطعية بدلاً من…
 
نوف: …استعادة نظرية «كوير»…
 
نور:…في الوقت الراهن على الأقل.
 
نوف: وتحديدا بعد ارتباط كلمة «كوير» بواضعي النظريات من العرق الأبيض. كما أن غالبية الإنتاج المعرفي المشهور حول “كوير” هو ما ينتجه ذوي الهويات الجنسية اللانمطية (كوير) من العرق الأبيض، على سبيل المثال. بالنسبة لنا، يعزز هذا ديناميكيات جندرية معينة وممارسات جنسية، كما لو أن جميع ذوي الهويات الجنسية اللامعيارية لديهم نفس النوع الاجتماعي، وكأن هناك صناديق محددة لتلك الهويات، فإذا لم تكن ملائمًا لمواصفات تلك الصناديق لا تكون لا معيارياً كفاية.
 
نور: بالتأكيد.
 
نوف: لأن البعض لا يتسق مع جميع تلك الممارسات والأيديولوجيات والهويات.
 
نور: بالتأكيد.
 
نوف: يقودنا ذلك إلى التعميم واعتبار تجارب ذوي الهويات الجنسية اللامعيارية وكأنها واحدة.
 
 نور: نرى الكثير من التشابه برأينا بين التقاطعية والنسوية كمفهومين يتردد صداهما في نهج مناهضة الاستعمار. حيث تتوافق التعاليم والمنهجيات النسوية مع مناهج مناهضة الاستعمار، بدءًا من الموقعية والتأمل الذاتي، فهي متشابهة جدًا من عدة نواحي. ربما تكون متشابهة لأنها تأتي من منظور الهامش والمهمشين بدلاً من منظور المهيمنين.
 
نوف: فمع النسوية، نحاول التطرق إلى مسألة محو معرفة وخبرات النساء اللواتي تم إسكاتهن. وكذلك الأمر عندما يتعلق بمناهضة الاستعمار، فإننا نحاول أن ننظر إلى معارف وتجارب السكان الأصليين الذين تم إسكاتهم. لذلك هناك هذا الرابط.
 
نور: بالتأكيد. حسنًا، هلا انتقلنا إلى السؤال التالي؟
 
نوف: بالطبع: “هل يمكن للنهج الجنوبي لمناهضة الاستعمار أو النهج الأخرى أن تضع الأسس للاستجابات السياسية والبرنامجية للهجرة والنزوح التي تهدف إلى مقاومة هيمنة الليبرالية المُحدَّثة (النيوليبرالية) بدلاً من تعزيزها؟”
 
نور: يمكن ذلك بالتأكيد، ولكننا يتطلب ذلك منا التفكير بتفاني بطرق إعادة صياغة السياسة والتزام فعلي لإعادة تأطير ما تعنيه الاستجابات البرنامجية وشكلها وتوجيهها. يمكن أن يؤدي هذا إلى تغيير الوضع الحالي، ولكن لا يمكننا الاستمرار في القيام بما يفعله الأشخاص حاليًا – كأن يقرروا فجأة إدماج النوع الاجتماعي حتى يتقبلوا النوع الاجتماعي، ثم فجأة يقرروا إدماج مفهوم الجنسانية اللامعيارية حتى يتقبلوا الجنسانية ومن ثم … كلا، يجب إعادة تصميمها من البداية من خلال نهج مناهض للاستعمار، فمناهضة الاستعمار مهمة ليست بالهينة وتتطلب الكثير من … ولا تنحصر على تفكيك التعلّم وإنما تفكيك السياسة.
 
نوف: علينا أن نكون صادقين بأن بعض البرامج والسياسات التي يتم تنفيذها في الجنوب العالمي تعزز الخطاب الليبرالي المُحدَّث المهيمن. نعتبر بأن منظمات المجتمع المدني في الجنوب العالمي تستنسخ هياكل القمع، تستنسخ مثلا خطابات الأشخاص ذوي الممارسات الجنسية والأداءات الجندرية اللامعيارية في سياقات أخرى. ويعتمد ذلك التغيير على الجهات التي ترغب بذلك، ومدى رغبة الأشخاص في التغيير.
 
نور: تكمن مشكلة المنظمات غير الحكومية – ويمكننا التحدث عن الدول الناطقة باللغة العربية لأننا عملنا في ذلك القطاع معظم حياتنا – مشكلة المنظمات تلك أنها تحكم أنفسها من الداخل من خلال منظور الليبرالية المُحدَّثة. فهي تخضع للحكم من الداخل…
 
نوف: …لأنها مقيدة بالتمويل. فعلى سبيل المثال، بعض هذه المنظمات التي تعمل على قضايا النوع الاجتماعي مشروطة بالتمويل الذي تتقدم له، ولا يمكنها إضافة أي تغييرات على هذه الخطابات بسبب ذلك التمويل. ففي الواقع، لا يمكننا التفكير في المنظمات غير الحكومية وممارساتها دون التفكير في مصدر الأموال. إلا أن هناك جانب آخر لذلك: تعتقد الكثير من هذه المنظمات أنها لا تستطيع التفاوض مع ومقاومة أجندات الممولين.
 
نور: نعم، بالتأكيد.
 
نوف: تعتقد هذه المنظمات أن للممول اليد العليا والكلمة الفصل. ولكن هذا ما نسعى للإشارة إليه في تدريباتنا وعملنا، وتحديدًا مع المنظمات الجديدة: لا، عليكم مقاومة هذه الأجندات، عليكم…
 
نور: … التصدي لها.
 
نوف: التصدي للأجندة بالطبع – وهكذا نحدث التغيير.
 
نور: ولكن لا يمكننا أيضًا إنكار أن بعض الأشخاص يستفيدون من هذا النظام. وهذا في الواقع أحد أسباب امتناعنا عن القيام بأعمال ذات صلة بما يُسمى بمجتمع الميم: فالخطاب الذي يعزز الهويات هو خطاب يحمل طابع الليبرالية المُحدَّثة، على أي حال. ويعيد هذا التعزيز إنتاج الفكر الليبرالي والليبرالي المُحدَّث حول الجنسانية والاستعمار ويجعل من نضالاتنا مجزأة، وكان ادراكنا لذلك الدافع وراء بدأنا بعمليات النقد الذاتي أيضًا.
 
نوف: وبدأنا أيضًا إعادة التفكير – وأدركنا أنه لمناهضة الاستعمار علينا إضفاء صفة سياسية لمجالات اهتمامنا- ف لا يمكننا التفكير في ما يُسمى بمجتمع الميم، أو الأشخاص ذوي الممارسات الجنسية والأداءات الجندرية اللامعيارية، دون إضفاء الصفة السياسية.
 
نور: نعم، وسواء أحببنا ذلك أم لا، فإن أغلبية منظمات مجتمع الأشخاص ذوي الممارسات الجنسية والأداءات الجندرية اللامعيارية، على سبيل المثال، تروج لخطاب كراهية الإسلام والذي…
 
نوف: …يخدم بالتالي خطاب الليبرالية المُحدَّثة المهيمنة.
 
نور: وتثير هذه المحادثة سؤالاً هامًا وهو كيف يمكننا الابتعاد عن هيمنة الليبرالية المُحدَّثة – ما هي احتمالات الابتعاد عن الليبرالية المُحدَّثة بصفتها نظامًا قمعيًا؟ فبطريقة أو بأخرى، تشعر بأن العالم بأسره يحتاج إلى إعادة الضبط. أليس كذلك؟
 
نوف: نعم، وإذا نظرنا إلى ما يحدث في العالم الآن، وما تشهده لبنان والإكوادور وتشيلي وفلسطين، الناس يتظاهرون، الشعوب تتظاهر ضد الهياكل القمعية ذاتها. قد تكون المظاهر والتجليات مختلفة إلا أن الناس يحتجون على نفس نوع القمع وهذا يشعرنا بالكثير من الأمل، فعند التفكير في جميع هؤلاء الأشخاص، من اللامعياريين – ذوي الهويات الجنسية اللامعيارية وعاملات المنازل والنساء واللاجئات واللاجئين والأشخاص من الطبقات الفقيرة.. نلاحظ أنهم يثورون على نفس النظام.
نور: يثورون ضد الليبرالية المُحدَّثة…
 
نوف: تمامًا، الليبرالية المُحدَّثة المتحيزة جنسياً والكارهة للمثليين والعنصرية والطبقية.
 
نور: وهنا يكمن الموضوع: نريد التحدث عن السياسة والبرامج إلا أننا نريد أيضًا التحقق من نوايا هذه البرامج والسياسات.
 
 نوف: نعم، هل يتحدون هيكل القمع؟ هل تتحدى فعليا هذه البرامج والسياسات والمنظمات غير الحكومية هياكل القمع؟ هذا سؤال يتعين علينا الاستمرار في طرحه.
 
المراجع
بي بي سي. 2018. «تيريزا ماي تعرب عن أسفها العميق تجاه القوانين الاستعمارية المناهضة للمثليين في المملكة المتحدة». 17 أبريل. https://bbc.in/2Rg01kb
كرينشو، كيمبرلي. 1989. «إنهاء تهميش تقاطعية العرق والجنس: نقد النسوية السوداء لمذهب مناهضة التمييز والنظرية النسوية والسياسات المناهضة للعنصرية». المنتدى القانوني لجامعة شيكاغو 1989 (1): 139–167.

ورد المقال الأصلي في مجلة الهجرة والمجتمع- لقراءة المقال الأصلي:

تمت ترجمة هذا المقال من قبل e-arabatisation
 
Print Friendly, PDF & Email
لمشاركة المقال على

د.ة نوف ناصر الدين عالمة اجتماع نسوية حاصلة على درجة الدكتوراه (2011) من جامعة وارويك. تتمتع نوف بأكثر من خمسة عشر عامًا من الخبرة، والتي تتعدى الأوساط الأكاديمية ، حيث عملت أيضًا مع منظمات غير حكومية دولية ووطنية ومحلية مختلفة، عبر البلدان الناطقة باللغة العربية.
د.ة نور أبو عصب عالمة اجتماع نسوية حاصلة على درجة الدكتوراه (2012) من جامعة وارويك. نور أكاديمية ومهنية متعددة التخصصات، تتمتع بخبرة تزيد عن خمسة عشر عامًا في العمل على القضايا المتعلقة بالعدالة الاجتماعية في الجنوب العالمي.

انضموا الى الحديث