مقابلة مع د. فِل كول
فِل كول محاضر أساسي في السياسة والعلاقات الدولية. من إصداراته “فلسفة الإقصاء: النظرية السياسية الليبرالية والهجرة” (مطبعة جامعة ادنبره 2000)، و”أسطورة الشر” (جامعة مطبعة ادنبره 2007) مع كريستوفر هيث ويلمان، و”مناقشة أخلاقيات الهجرة” (مطبعة جامعة أوكسفورد 2011). يعمل حاليا على كتاب حول التهجير القسري ويبحث في قضايا منها اللاجئين واللجوء والنزوح المناخي والاتجار بالبشر وتهريبهم. في السنوات 2019/2010 حصل على زمالة الأبحاث البريطانية “منحة الشكر إلى بريطانيا” من الأكاديمية البريطانية للعمل على هذا المشروع.
تاريخ المقابلة: 22 كانون ثاني / يناير 2021
حاورته: رولى الصغير
في البداية، هل لك أن تعلق على الفرق بين الأشخاص المغتربين والمهاجرين والوافدين واللاجئين والنازحين، فيما يتعلق بما يحافظ على الحدود بين هؤلاء السكان نظاميا وفي السياسات؟ عدا عن الظروف الاقتصادية والسياسية التي تحكم الفرق، كتبت عن الأخلاقيات الكامنة في هذا الخطاب. ما هي وعن ماذا تكشف؟
كتبت عن وجهة نظر أخلاقيات الهجرة، ومؤخرا، مع النزوح القسري. يمنحنا هذا وجهات نظر مثيرة للاهتمام، فالعمل على الأخلاق يفتح حوارا يتعلق بعدم تمتع الدولة بالحق الأخلاقي في تحديد من يدخل الدول وما إذا كان الأفراد يتمتعون بحق أخلاقي في السفر عبر الحدود. من وجهة نظر الأخلاق، يصعب تبرير الضوابط على الهجرة إذا أخذنا مبدأ المساواة الأخلاقية للشعوب الأساسي على محمل الجد، فيصبح من الصعب تبرير من يمكنه عبور الحدود. وبهذا فإن ضوابط الهجرة أفعال تنم عن السلطة، وما يحاولون فعله هو حصر الفقراء في العالم أينما كانوا وحماية مصادر الشمال العالمي التي يساهمون بها من خلال العمل الرخيص، ولكن بعد ذلك يقول الشمال العالمي أنك لا تستطيع القدوم إلى هنا. لا يوجد مبرر أخلاقي لهذا.
فيما يتعلق بالعمل على التهجير القسري، يظهر من هذا بأنه من الصعب التفريق بين اللاجئين والأشخاص الآخرين المهجرين قسرا، وهذا أمر مهم جدا لأن اللاجئين يحصلون على حماية دولية، ولا يحصل الأشخاص المجبرين على مغادرة منازلهم لعدة أسباب على تلك الحماية. يبدو بأن الحد الفاصل بين اللاجئين والأشخاص المهجرين عشوائي. يمكن أن يكون النزوح داخل الحدود، وبالتالي فإن الأشخاص النازحين داخليا على سبيل المثال بسبب العنف لا يستحقون الحماية الدولية، ولكن إن تمكنوا من عبور الحدود، عندما يتأهلون لها. هناك فئة أوسع من النازحين، وهم الأشخاص النازحين بسبب الكوارث، التغير المناخي، الفقر، إلخ. تشبه تجاربهم تجارب اللاجئين، ولكن مرة أخرى، لا يندرجون تحت نطاق الحماية الدولية. يكشف هذا الإطار عن وجود نظام مشكوك به على أقل تقدير.
كما تتقاطع كلماتك مع تجارب العديد من عاملات المنازل. في لبنان، حيث أقيم، يمكن اعتبار الكثير من عاملات المنازل من إثيوبيا أو السودان لاجئات إلا أنهنّ يدخلن عبر وثائق تؤهلهنّ للعمل المنزلي أو تسمح لهنّ بالحركة بناء على طلب العمالة المنزلية. وينطبق ذات الشيء على مناطق معينة في آسيا حيث تؤدي الكوارث الطبيعية مثل الاحتباس الحراري إلى نزوح العمال الزراعيين الذين ينضمون عندها إلى قطاع العمالة المنزلية. هناك اختيار متعمد في منح قيمة نوعية للنازحين أو اللاجئين.
هذا صحيح، هناك فرق على مستوى السياسات بالإضافة إلى المستوى الأخلاقي، نحن نعمل على التفريق بين الهجرة الطوعية وغير الطوعية، حيث اللجوء غير طوعي وانتقال المهاجر طوعي. يستخدم هذا التعريف لتصنيف المهاجرين على أنهم يختارون الانتقال لتحسين حياتهم، ولكنهم يستطيعون العودة إن أرادوا ذلك. إلا أن هناك أشخاص لا يستطيعون العودة وأسباب عدم وجود ذلك الخيار غير معترف بها. علينا أن نفكر بهذا الأمر على أنه طيف من الحركة، طوعية تماما إذا كان هناك شيء من هذا القبيل أصلا، وحركة قسرية تماما. في الوسط، هناك طيف من الأشخاص الذين يتنقلون لأسباب عدة، ومن الصعب تصنيف ما إذا كان هذا طوعي أو غير طوعي. حتى اللاجئون، يجبرون على الانتقال، ولكن بطريقة ما، ينتقلون طوعا أيضا لأنهم يفهمون تبعات البقاء في مكانهم. ويصنف البعض على أنهم مهاجرون اقتصاديون، أشخاص لا يتوفر الكثير لهم ويتنقلون بحثا عن العمل. وبالتالي، فإن الفرق بين الطوعي وغير الطوعي على مستوى النظرية السياسية غير منطقي. كما يعرف الأشخاص العاملون في الميدان بأنه من غير المنطقي اعتماد هذا التفريق، أو حتى فهم الأشخاص المعنيين. إن الأمر أكثر تعقيدا بكثير مما يوحي به التعريف.
لو كنا نتخيل العدالة في الهجرة هي أن تكون محصورة بتلك الطوعية، عندها سيكون خيالنا يكرّس للطبقية في تقديري. إنّ تصوّر عالم مثالي يركّز على ضرورة الاختيار في الهجرة، لا يشير إلى واقع الكثير من الناس، وبالتالي لا يسمح بالهجرة إلا لطبقة واحدة لها ترف الاختيار.
أوافقك. إن واقع الأمور هو أن هناك طبقة معينة لا تحتاج إلى تأشيرات دخول للسفر، ولا تحتاج إلى التوثيق، ويكون سفرها إلى الشمال العالمي مفتوحا بشكل عام. ولكن إن كنت مهاجرا من الجنوب العالمي إلى الشمال العالمي، من غير المرجح أن تحصل على تأشيرة. هناك حرية حركة حصرية. من يطالب منا بالحدود المفتوحة يعرفون بأن هذا جزء من قضية عدالة عالمية أوسع، فهي تشكل جزء من الحل للعدالة العالمية لأننا نعرف الظلم الناتج عن الهجرة. لم يقل أحد منا بأن هذا هو الحل، وإنما هو جزء من رؤيا أوسع للشكل المحتمل للعدالة العالمية.
يذكرني هذا بأن الهجرة من الجنوب إلى الجنوب ليست الهجرة التي تؤخذ بعين الاعتبار في الاجتماعات العالمية رفيعة المستوى، لأن مناقشة سياسة الهجرة في تلك الاجتماعات تركز على حماية الشمال العالمي من تدفق الأشخاص من الجنوب العالمي، أو من العمال المهاجرين “الرجعيين”.
صحيح. من الصحيح بأن الحوار في النظرية الأكاديمية الليبرالية انحصر غالبا بمن يشارك به، وبالتالي تأثر بشكل عام بموقع معين في العالم. أطلقت على هذا في بعض أعمالي “نظرية الداخل”، وبصراحة، نشأت الكثير من هذه النظرية من الدول الديمقراطية الليبرالية في الشمال العالمي. وبالتالي، فهي نظرية من وجهة نظر معينة تنظر إلى الهجرة على أنها تحدي. إن نقدي للكثير من النظريات حول الهجرة هي أنها بحاجة إلى توسيع نفسها حتى تكون أكثر عالمية. وتوجد أعمال كثيرة الآن من الباحثين والمنظرين من الجنوب العالمي، مساهمات مختلفة ستغيّر الأمور. ناهيك عن أنّ النظرية السياسة بحد ذاتها لها إشكالياتها الخاصة.
بما أننا نتحدث عن طريقة تغيير الأمور، كيف تغير الجائحة عالم الهجرة. هل تشكل الجائحة انقطاعا في الطريقة التي نتعامل بها مع عبور الحدود؟ أم لا؟
عندما بدأت بكتابة الكتاب الحالي حول الهجرة والنزوح القسري، لم تكن الجائحة قد وقعت بعد. كنت أكتب عن إطار الحماية الدولية الذي تغيّر بمفعول الوباء. هذا تذكير بأن السياسات والهجرة تتعرض دائما للتشكيك وتشيخ بسرعة كبيرة. أما القضية الأخرى، فكانت أثر الجائحة على المهاجرين وطالبي اللجوء، وهم الجماعات الأكثر هشاشة أمام الجائحة بسبب العمل الذي يقومون به. كانت مخاوف أوروبا ومواقع أخرى في الشمال العالمي تتمحور على أنّ حصر المهاجرين أو احتجزاهم في أماكن سيجعلهم أضعف وبالتالي سببا في نقل الفيروس. في المملكة المتحدة، هناك مخاوف حول استعمال الثكنات البحرية لاحتواء المهاجرين نظرا لانتشار كوفيد-19 هناك. استجابت السلطة بالإغلاق، حتى لا يتمكن أحد من المغادرة. هذا مكان غير مناسب أصلا وغير معدّ لجائحة كوفيد-19، ورغم ذلك، يُجبر الأشخاص على البقاء هناك. وهذا ليس بالأمر الجديد في رأيي: كان العالم محبوسا أصلا في نظام احتجاز اللاجئين والمهاجرين قبل الجائحة، وهو نظام يحصرهم ويجرمهم. إذا حصلت وفيات بين المهاجرين بسبب كوفيد-19، فهي تضيف إلى الأعداد الكبيرة من الوفيات بين المهاجرين بسبب الإجراءات الأمنية المشددة. غرق الكثيرين على ساحل ليبيا هذا الأربعاء. يقول الكثيرين بأن الجائحة زادت من التركيز على ما تعرّض له المهاجرين أصلا، لذا لست متأكدا بأن الجائحة تشكل انقطاع في طريقة تعامل السياسة الدولية مع العبور الحدودي، وإنما ببساطة تضيف مستوى من الاحتجاز والاحتواء. هناك أمثلة تمنحنا الأمل، مثل البرتغال، ومن جانب آخر، لدينا أمثلة مثل المملكة المتحدة، التي تحصر المهاجرين في أماكن غير مناسبة وتخرج بمقترحات للتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين والتي قد تشكل خرقا للقوانين الدولية. هناك طيف واسع، الكثير منه يتعلق بنوع الشعبية السياسية التي نراها، لأننا نعلم نوع الشعبية التي تستخدم المهاجرين ككبش فداء لحشد الدعم. رأينا هذا في أمريكا التي حكمها ترمب، وفي المملكة المتحدة الآن. إذا، فإن الهجرة جزء من نضال أكبر بين السياسة الرجعية والتقدمية، ونحتاج لأن نرى ما يحصل في الولايات المتحدة، مرة أخرى، بسبب عدم القدرة على التنبؤ بالوضع القائم.
هناك بالتأكيد طيف واسع من الاستجابات التي شهدناها، منها استجابات على مستوى السياسات والقانون. في أوروبا على سبيل المثال، رأينا خلطا بين التهريب والاتجار الذي كان يستهدف بشكل متعمد تجريم المنظمات أو الأشخاص الذين يساعدون المهاجرين. إذا، لا نرى أنماط واضحة لخلق سياسات تستجيب لاحتياجات المهاجرين في واقع الكوفيد-19، حتى ضمن إقليم واحد هو الاتحاد الأوروبي. هل لك أن تعلّق على ذلك؟
كانت هناك أمثلة على السياسة التقدمية في البرتغال وبعض الأمثلة في إيطاليا، ولكن بشكل عام، هي صورة مختلطة جدا. حتى عندما تكون هناك سياسة تقدمية كما هو الحال في البرتغال، يبقى السؤال قائما: هل هي سياسة مؤقتة أو هل تمثّل تغييرا سياسيا طويل الأمد؟ في إيطاليا، نرى إجراءات محددة أكثر للعمل المنزلي، ومرة أخرى تبدو وكأنها إجراءات مؤقتة للتعامل مع الأزمة التي تواجه إيطاليا. اتخذت إسبانيا بعض الإجراءات التي تؤكد بأنها ستمنح وضعا معينا للمهاجرين غير النظاميين، وبالتالي فإن هذه أمثلة على السياسات التقدمية، ولكن يبقى القلق حول ما إذا كانت مؤقتة أو ببساطة ناتجة عن مخاوف الدولة أو احتياجها للأشخاص العاملين في العمالة المنزلية وفي الزراعة. لا تنتج السياسة دائما بمفعول التعاضد مع المهاجرين والعاملين غير النظاميين، وإنما تنتج عن الاحتياجات الاقتصادية. فالأمر لا يمكن التنبؤ به. في بعض القطاعات في المملكة المتحدة، نرى عنفا متزايدا نحو السكان الذين يُعتبرون مهاجرين، وخصوصا من خلفية صينية، بسبب الظنّ بأنّهم سبب في دخول الجائحة إلى المملكة المتحدة. وبالتالي يواجهون الكثير من الكراهية. والانقسام كبير في دول الشمال العالمي وأماكن أخرى لدرجة لا يمكننا التنبؤ عن الهجرة في المستقبل، مما يصعّب من عملية كتابة كتاب حاليا، وهو الأمر الذي أحاول القيام به. نحن نعرف بأنه من المنطق تنظيم العمال أو شرعنتهم، لأنّه أمر منطقي. ولكن السؤال الآخر هو كيف نتعامل مع الكراهية الضمنيّة في سياسات في دول معينة؟ هذا تحد كبير علينا مواجهته ومكافحته.
إن فكرة تنظيم الهجرة أو شرعنة العمالة المهاجرة ومنح حقوق المواطنة للمهاجرين مثلما فعلت البرتغال ما زالت تعكس الدولة كمصدر ضمانة للحقوق. كيف تعامل الشرعنة، أو التسوية القانونية لوضعية المهاجرين الفاقدين للتوثيق، بطريقة مختلفة حسب نوع الهجرة؟ هل لك أن تخبرنا مثلا عن تأثّر منعدمي الجنسية، على سبيل المثال، بمحاولات تسوية الأوضاع القانونية لهم متى تمّ فهمهم ضمن سياق واسع للهجرة؟
عندما نتحدّث عن حالة انعدام الجنسية، فنحن نتحدث عن الأشخاص غير الحاملين لعضوية أي دولة، وأنا أعرف أن هذه مشكلة في لبنان. يوجد حديث على مستوى الحلول السياسية مثل التوطين أو التجنيس، ولكنّها قد تكون غير مفيدة لوضعها الأشخاص في أطر قد لا يريدون التواجد بها، خصوصا عندما تكون الحركة والمرونة منطق وجودهم. على مستوى النظرية السياسية، نحتاج أن نفكر بالعضوية في الدول أو الجنسية بطريقة مرنة أكثر، مثل عضوية عابرة للحدود حيث يمكن للناس التنقل دون هذه المشاكل. نحتاج إلى دراسة معنى أن تكون حقوق المواطنة في متناول من هم في حالة هجرة. رأينا بالفعل أن المهاجرين النظاميين قادرون على الوصول إلى هذه الحقوق دون أن يكونوا مواطنين (في بلدان معيّنة)، إلا أنّ الانتقال نحو عالم متحرّك يجب أن يكون أكثر راديكالية من ذلك. الأمر الثاني عن انعدام الجنسية، هو أن الدول تتخذ الإجراءات لسحب الجنسية ممن يرتكبون جرائم معينة. وهذا حوار قائم الآن في المملكة المتحدة حيث سُحبت الجنسية من أشخاص تم اكتشاف روابط بينهم وبين داعش في الشرق الأوسط. وأدى هذا إلى مخاوف كبيرة. هناك قضية وصلت إلى المحكمة العليا حاليا. ببساطة، سُحبت جنسية فتاة يافعة. عند سحب الجنسية من الأشخاص، يمكنك أن تبقي عليهم في الخارج وتمنعهم من العودة إلى منزلهم، وهذا بُعد آخر للحوار.
مالذي يشكل “عاملا جرميّا” لدى عبور الحدود وما هي الوسائل البديلة للتفكر في الحركة؟ أو ما هي الأطر البديلة للتجريم التي يمكن للدول تبنيها فيما يخص سياسات الهجرة؟
هناك بُعدان للتجريم بإمكاننا أن نتحدث عنهما. أولا، هناك تجريم الأشخاص المنتقلين، مما يصعّب سفر الأشخاص من المناطق الأفقر في العالم بشكل قانوني إلى أجزائه الأكثر ازدهارا. وينتج هذا أساسا عن نظام تأشيرات الدخول الذي يجعل الوصول إلى التأشيرة والسفر القانوني أمرا مستحيلا. طبعا، يحق للاجئين دخول منطقة دولة أخرى للعثور على الأمان، إلا أنهم لا يملكون طريقا قانونية لفعل ذلك. إذا، يقع اللاجئون ضحية لاستراتيجيات التجريم هذه عند عبور الحدود. ومع أنهم يتمتعون بالحماية الدولية، لا يوجد ما يُلزم الدول بتقديم المسارات الآمنة والقانونية لهم للحصول عليها. تفرض الحماية على الدول عدم إعادة اللاجئين إلى الخطر ولكن لا تلزمهم بمساعدة اللاجئين على الهرب. عليهم أن يفعلوا ذلك بأنفسهم ويعني هذا اللجوء إلى مهربي الأشخاص، مما يجعل اللاجئين أو المهاجرين عرضة للاتجار بالبشر والعبودية. يتعرض العديد من المهاجرين ممن يفرّون من ظروف صعبة للغاية إلى أنظمة التجريم والإقصاء هذه. وبالتالي لدينا حالة حيث تصبع المناطق الحدودية حول الدول أماكن صعب التنقل بها بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين واللاجئين. هناك مثال آخر من المملكة المتحدة، إذ يتم اعتقال من يأتي على متن قوارب صغيرة واحتجازهم، وأحدث استراتيجية اعتمدتها الحكومة هي مقاضاة المهاجر إذا قام بتسيير القارب في أي مرحلة ما بتصنيفه مهرّبا للبشر. وبالتالي، إذا لمس في أي مرحلة ما المقود، يتعرض للمسائلة كمهرّب للبشر. وهذا قاسي جدا. إن البعد الآخر للتجريم هم تجريم الأشخاص غير النظاميين الموجودين ضمن إقليم ما، ويكون التجريم على الحدود وداخلها أيضا. يُعد التواجد في المملكة المتحدة دون تصريح جريمة. منذ العام 2014، وجدت سياسة تسمى البيئة المعادية وأضافت طبقات من الجرمية إلى المهاجرين. إنّ العمل دون تصريح جريمة، كما هو الحال مع قيادة السيارة دون حق قانوني بالتواجد في الدولة، إلخ. وهذه جرائم تأتي بالإضافة إلى جريمة التواجد في الدولة دون تصريح. هذا بالإضافة إلى قطع إمكانية الوصول إلى المنازل والحماية الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم. أما الناحية الأخرى الهامة والتي تكرّس التجريم، فهي ضوابط الهجرة. تفرض الدولة على الأشخاص العاملين في البنوك وأصحاب العقارات والجامعات دائما أن نتحقق من حق الشخص في التواجد بالمملكة المتحدة. وبالتالي أنا، كمحاضر جامعي، جزء من القوى الحدودية التابعة للمملكة المتحدة. أحتاج لأن أتحقق من حالة هجرة من أتعامل معهم في الجامعة. هكذا يكون ضبط الهجرة مخصخصا في المملكة المتحدة، إذ أنّنا جميعا عناصر تخدمه.
هل تأثرت سياسات المملكة المتحدة في التعامل مع الهجرة ب”بريكسيت” (Brexit)؟
سياسات المملكة المتحدة هي استجابة سياسية من السلطات الحكومية لكسب دعم الأشخاص المعادين للهجرة. هل تأثرت بحصول بريكسيت؟ ليس بشكل خاص. من المثير للاهتمام أنّ سياسات معاداة الهجرة لم تكن فعالة، إذ هدفت إلى خلق بيئة معادية حتى يرحل الأشخاص المتواجدون في المملكة المتحدة بدون تصريح طوعا، أي أن يقوموا بإبعاد أنفسهم بأنفسهم. ولكن تشير كل الأدلة إلى أن مستويات المغادرة الطوعية قد انخفضت بشكل كبير منذ تفعيل السياسة. وبهذا، فقد حصل العكس كما يحصل في كثير من الأحيان بالنسبة لهذه السياسيات، فهي لا تنجح. كنت أتحدث عن هذا الأمر مع طلابي هذا الأسبوع، وقلت لهم هل يعني هذا بأن السياسة فشلت؟ لأن السياسة قد تكون وسيلة مسرحية فقط لكسب تأييد جمهور معين. وإذا نجحت في كسب الدعم من ذلك الجمهور، هذا هو المهم ولا أهمية لها فيما يتعلق بفعالية المغادرة الطوعية. لا يعرف معظم الناس شيئا حول الموضوع أصلا لصعوبة الوصول إلى هذا النوع من البيانات. إذن، قد تبقى السياسة ناجحة. وأعتقد أن علينا أن ننظر إلى سياسات الهجرة هذه على أنها وسائل مسرحية فقط مصممة لكسب الدعم السياسي من مجموعات معينة، سواء أكانت تنجح أم لا على أرض الواقع.
إذن، الحكومة تنجح في زيادة ظاهرة الخوف من الأجانب والتي تؤدي بنهاية المطاف إلى تقليص المساحات، ليس بالسرعة التي نتخيل بها نجاح السياسة، إلا أنّ أثرها مادي على حياة المهاجرين.
نعم بالضبط.
تحدثت حول فجوات الحماية، وأردت أن أسأل إن كانت هذه الفجوات مختلفة للسكان النازحين بسبب الكوارث الطبيعية مقارنة بالمهاجر “العادي”. هل تتجاهل السياسة هذه الفئة من المهاجرين؟
نعم، هناك فجوات في الحماية. السؤال معقد. الأشخاص النازحون بسبب الكوارث والتغير المناخي والنازحون بسبب مشاريع تنمية البنية التحتية أمثلة جيدة. ليس بالضرورة أن يكون النزوح دوليا وإنما أعتبر الأشخاص المهجّرين قسرا من بيوتهم لإيجاد مساحة لمشاريع التنمية. يتعرض هؤلاء الأشخاص للتهجير دون عبور الحدود وهناك أشخاص بينهم يهاجرون لأغراض العمل. يصنفهم البعض على أنهم “مهاجرون للعيش” لأن عليهم الهجرة من أجل العثور على العمل. وتتجاهلهم الحماية الدولية. من أسباب التجاهل هي أن هيكل الحماية الدولية نشأ خلال الحرب الباردة، بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالي لها غرض سياسي معين لا يحقق في الأسباب المختلفة التي قد تجبر الأشخاص على مغادرة دولهم أو منازلهم. ومع أن الحماية تلك قد توسعت إلى ما هو أبعد من أوروبا، كانت محصورة في أوروبا أولا، وتوسعت من خلال بروتوكول عام 1967 واتفاقية اللاجئين عام 1951، وربما تم تحدد أغلبها من خلال سياسة الحرب الباردة. ومع أنه نظام الحماية “عالمي”، إلّا أنّ بعض المناطق، إفريقيا مثلا، هي أكثر سخاء في تحديد معنى اللجوء مقارنة باتفاقية اللاجئين. ومع أنها أوسع، ما زالت تتعلق بالعنف والاضطهاد، أكثر من الفقر والاقتصاد والكوارث.
إلا أنني لست متأكدا إن صحّ القول بأنّ السياسة الدولية “متجاهلة” لهذه الفوارق، لأنّ هذا التجاهل متعمّد. لا ترغب بعض الدول توسيع مفهوم من يستحق لقب اللاجئ. أثارت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين السؤال: هل علينا أن نحمي الأشخاص المهجرين بسبب أحداث مناخية؟ لقد طرحوا هذا السؤال. وأجابت الدول التي تدفع لصالح المفوضية، “لا”. وانتهى الأمر. إذن فهذه سياسة متعمدة، لأن الدول قوية بما يكفي لتحديد محتوى الممارسة الدولية وهي تعي ما تفعله. وهي معضلة لمن يناضل من أجل تعريف أوسع للجوء مما ورد في اتفاقية عام 1951، قد لا نستطيع مناقشة الأمر الآن لأن السياسة المحافظة ستستغل هذا النقاش كفرصة لتقليص التعريف. إذن علينا أن ندافع عما حصلنا عليه، الأمر الذي لا أتفق معه بالضرورة لأنني اعتقد أننا نحتاج إلى إدارة هذه النقاشات وإثارة هذه الأسئلة. يُعد هذا مصدر قلق.
رأيت تقليص التعاريف كما ذكرت يحصل في المساحات الدولية حيث يشير عناصر المجتمع المدني إلى أوجه النقص في الوثائق أو القوانين، فتستغل الأطراف المحافظة تلك الفرصة لتحرير الوثيقة مرة أخرى بطريقة محافظة أكثر. أوافق أنّه من السذاجة افتراض النية الطيبة في هذا التجاهل المقصود. كيف تقترح، في كتابك، مجالات للتدخل في السياسة الدولية لتقريبها من خطابات الهجرة أم هل يتطلب الأمر إعادة تأطير كاملة؟
ما زال الكتاب قيد الكتابة. حتّى الآن، لديه بعدان. أحدهما راديكالي حيث علينا أن نبدأ من جديد ونعيد التفكير بالإطار الكامل وما تعنيه الحماية والتهجير. علينا أن نبدأ من الأسفل إلى الأعلى، بطريقة تعترف بصوت ووكالة النازحين. من هم الأشخاص الذين لا نشملهم في هذه الأمر؟ والثاني هو بُعد متواضع عن الإصلاح الممكن وهو الاعتراف بأن أصوات النازحين مسموعة وأنهم وكلاء سياسيين في العملية. ما يحصل الآن هو أنّ صانعي سياسات الهجرة ليسوا نازحين ولا مهاجرين، وأنّ من تنطبق عليهم هذه الصفة غير مشمولين، أو مشمولون بطريقة هامشية جدا. بالنسبة لي، الأمر البسيط الذي يمكننا القيام به هو فرض مكان للنازحين على الطاولة ودور في تحديد السياسات. يثير هذا سؤال مسألة التمثيل: من يمثّل النازحين والكثير من أشكال النزوح المختلفة؟ هذه طريقة معقدة للعمل إلا أنها ما زالت مركزية. تموّل المفوضية من قبل الدول وبالتالي فهي تمثل الدول ولا تمثل النازحين أو اللاجئين. ربما نحتاج إلى جهاز دولي جديد يمثل بحق الأشخاص المهجرين، منظم من قبلهم ويمثلهم. إذا كان لدي مقترح متواضع لا يتفق الكثير من الناس معه هو أننا نحتاج إلى هيئة تمثيلية دولية جديدة للأشخاص المهجرين. لقد رأينا أمثلة تاريخية على ذلك بالطريقة التي نظم بها السكان الأصليين حول العالم أنفسهم بها سياسيا، وحصلوا على التمثيل وأحدثوا التغيير الحقيقي. هذه هو مقترحي المتواضع.
ما هي اللحظة السياسة المطلوبة لحصول هذا الأمر في يومنا هذا، إذا لم تغير حتى الجائحة العالم لإيجاد مثل هذه المساحة؟ هل علينا أن نعمل أكثر على المزيد من التنظيم العمالي؟
نعم، نحتاج إلى المزيد من المناصرة والعمل. تحفّزنا الجائحة إلى إعادة التفكير بالفجوات. لا يمثل الوباء انقطاعا في سيرورة الوضع الراهن وإنما يمكن أن يصبحه إذا استغليناه كمساحة تدخل لتقديم هذه الحجج وضمان سماعها. علينا تكريس شعور بالتضامن بين الشعوب حول هذه القضايا. إن تحقيق التضامن من الأمور الأساسية التي علينا أن نعمل من أجلها.